السينما لا تقل أهمية عن حاجة الانسان للخبز

أنا مدين في هذه اللحظات التي أكتب بها هذا المقال النخبوي – مدين لملكوت الله في السماوات ومدين له على الوقت العظيم الذي منحّني إياه وعلى رباطة الجأش لكتابة هذه الأسطر ، جدير بالذكر أني حاولت في مرحلة مبكرة من حياتي تطبيق تقنية الخروج من الجسد أو الإسقاط النجمي وكانت هذه بمثابة هدف أسعى للوصول إليه وكنت دائماً ما أصل لمرحلة الرجّفة : بمعنى أن الروح تقترب من الخروج للجسد لتطبيق نظريات وفلسفة السفر حول العالم بإستخدام الروح الأثيرية وكنت أفشل في كل مرة – الله قيدني ولم يكتب لي في صحيفتي السماوية أن أنجح بالخروج من جسدي – وكتب علي كذلك أن أعيش في بلد عربي يفرض قيود قضائية وقيود من منطلق ديني حول المواد الإعلامية والسينمائية وهذا جعلني أعيش في فترة من التيه ، لكن إستطعت في يوم من الأيام الخروج من جسدي بإستخدام السينما – الأفلام ويجب أن أذكر أني لا أشاهد فقط الأفلام المتحركة بل أشاهد قليلاً الافلام الصامتة والمسرحيات صاحبة الإسقاط وغيرها ، إليك القارئ هذه الاسطر – خُلاصة سنوات قضيتها أمام الأفلام

لم تكن السينما تضع الكحل والعطر دائماً ، كنت في غالب الأحيان أشاهدها بالأبيض والأسود ، أقصد هنا الأفلام الكلاسيكية التي بدأت في ستينيات القرن الماضي ، هذا جعلني : ‘ الشاب الذي حَييِ في الزمان الخاطئ ‘ ، على مستوى تفصيل المشاهدات ، أعُجبت للغاية بسينما الجريمة والغموض بالتحديد الأفلام التي تتعلق بالقضايا الجنائية التي تتمحور حول البحث عن الجاني ، وتفسير الأحداث بالنسبة للمجني عليه ، تلك الأفلام التي تتحرك بها الكاميرا بطريقة فاتنة ، الأفلام التي تعمل على خلفية صورتها ، موسيقى ، أو أقطوعة ، تُحيي اللحظة بداخلك ، قِف عند السينماتوغرافيا وإستمع إلى هانز زيمر ، هاوارد شور ، نيكولاس بيوفاني .

أقمت لفترة في بلد يمنع دور السينما ، هذا حرمني لسنوات طويلة من متعة شرب عصير الرمان وأكل البوب كورن ومتابعة مارتن سكورسيزي و ريدلي سكوت بصحبة الأصدقاء ، على كل حال انا مدين للغاية للسينما التي حررتني من تلك الغيبوبة المعرفية التي كنت أعانيها ، مدين للسينما التي جعلتني أتعرف على عواصم العالم وديانات هذه المعمورة ، ثقافات مختلفة وأوجه مختلفة من العمران والحضارات ، لم أسافر كثيراً لأعرف هذا ، لكنِ تابعت مئات الأفلام التي قالت لي أن المعرفة لا تحتاج جسدك الفيزيائي ، ولا تحتاج أن تلتقط صورة عند برج إيفيل لتقول للأصدقاء ” هذا أنا ، في فرنسا ” ، يستطيع هذا العقل أن يعي ويُدرك ، من خلال السينما ، تلك الصور المتلاحقة ، مدين لها طوال حياتي لعلي اليوم أعتبر السينما بمثابة تذكرة سفر طويلة الأجل

سأكتب تفصيلاً عن أبرز ماشاهدت وأكثر القضايا التي لامستني من الداخل ، ولعلِ سأنسى بطبيعة الحال بعضها وهذا لا يعني أبداً أني نسيتها ، هذه نصائح عابرة للقارئ ، أو توثيق من أجل محاولة سَد الدَين

السينما الأوروبية : نستطيع الحديث هنا عن الفيلم الروسي ” إقترب وشاهد ” من كتابة وإخراج الروسي إليم كليموف الذي أخرجه وصوره في عام 1985 ميلادي ، الذي يحكي فيه قصص مرعبة حدثت مع طفل شاهد الموت في الحرب العالمية الثانية ، الفيلم من التحف السينمائية على مستوى الأحداث والتويست والسيناريو والحوارات الفلسفية الغامضة – نستطيع كذلك الحديث عن فيلم ” ليون المحترف ” من إخراج الفرنسي لوك بيسون الذي أخرجه في عام 1994 ميلادي ، يتحدث الفيلم عن حالة معقدة هكذا نستطيع القول ، حالة من الأحداث المترابطة بقصة متينة عن رجل يعتني بفتاة بعدما نفذت جماعة مسلحة غارة دموية على منزل والديها ، لعله من أفضل مخرجات السينما الأوروبية بالتحديد الفرنسية التي قدمت نموذج نخبوي في صناعة الأفلام من هذه النوعية التي وخلال ساعتين من الزمان لعبت على وترين مختلفين ، الأول درامي والآخر غامض لعلها توليفة الدراماتيكية التي شاهدناها بالفيلم وأثّنى عليها الجميع .

السينما الأمريكية – هوليوود : الأسماء مختلفة ، ونمتلك منظومة متكاملة من مختلف الأصناف ، نتحدث هنا بشكل موجز ، عن أفلام السير الراحل الفريد هيتشكوك وبروائعه ” النافذة الخلفية ” – ” الدوار ” ، كذلك لدينا المخرج كوبريك الذي قدم لنا أجمل أفلامه ” البرتقالية الآلية ” – ” أوديسة الفضاء ” ، لدينا تشكيلة واسعة من المخرجين الرائعين أمثال كوينتن تارانتينو صاحب فيلم الخيال الرخيص الذي قال هو عن نفسه ” كيف لي أن أصنع هكذا أعجوبه سينمائية ؟ ” وصنع كذلك كلاب المستودع أحد روائع الألفية ، سأسرد أسماء مخرجين عباقرة ولكن بطبيعة الحال تعرضوا للمظلمة الإعلامية والعنصرية على المسرح ، فيم فيندرز ، الأخوين كوين ، ستيفن سبيلبرغ ، كلينت ايستوود ، ديفيد فينشر وغيرهم المزيد لا حصر للسينما الأمريكية الوَلاّدة للأسماء البارزة في صناعة الأفلام

بكل تأكيد ليست هذه السينما فقط ، هنالك خوافي لا يمكن للوقت أن يسعف لكتابتها ، هذا المقال يجب أن يرى النور قريباً ، وقبل أن أنتهي ، أود القول بأني مدين مرة أخرى للسينما ، وأني لولاّ السينما لكنت أخرق يجب أن نستشعر هذا الشعور ، بأن تكون شيئاً ناضجاً ، تعي ما يجري وماجرى ، هذه السينما اليوم ، هذا عمرها الطويل قد قضته في إمتاعي ، وأنا بكل لطف أقول لها : شكراً ، حكمتني الظروف أن أعيش بطريقة لا أريدها ، كنت أمتلك وقت فراغ طويل للغاية ، وكان هذا العقل لَيِناً ، هَش من الداخل ، المجد لكل فيلم حاول ترميم هذا الإنسان ، وقد نجح البعض وبطريقة ملفتة ، وهذا أنا اليوم أكتب المقال الجَريء حول السينما .

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *