حين يصبح الجهد بلا اتجاه
في نهاية اليوم، لا تريد أن تنام مرهقًا… وتستيقظ بلا معنى، تريد أن ترى أثر ما بذلته، في طريق واضح، لا يُعاد رسمه كل صباح

ليست المشكلة في عدد المهام، ولا في ضغوط العمل، ولا في ساعات اليوم الممتلئة. المشكلة الحقيقية تبدأ حين يُبذل الجهد… دون أن يكون له وجهة.
قد تعمل بإخلاص، تؤدي ما عليك، وتلاحق كل مستجد، محاولًا أن تخلق أثرًا ولو صغيرًا وسط الضجيج.
لكن شيئًا فشيئًا، يتسلّل إليك شعور غريب: كأنك تدور في مكانك – تتحرك كثيرًا، تنجز كثيرًا، لكنك لا تتقدّم فعليًا. لأن حين تغيب البوصلة من الأعلى، تضيع كل التفاصيل في الأسفل.
وحين يكون القادة منشغلين بردّات الفعل، لا بصناعة الرؤية، يتحوّل العمل إلى سلسلة من المهام المرتجلة، والقرارات المتناقضة، والأولويات المتبدلة كل يوم
تبدأ المشاريع بلا نهايات، وتُطلق المبادرات دون دعم، وتُعاد النقاشات من نقطة الصفر في كل مرة.
كل جهد يُبذل دون أن يجد طريقًا واضحًا يُكمِل فيه.
وأسوأ ما في الأمر: أن هذا التشتت لا يُعترف به… بل يُطلب منك أن تتأقلم معه
فالمرهق ليس حجم العمل، بل غياب جدواه.
والمستنزف ليس ضغط المهام، بل شعورك المستمر أنك تعمل في مساحة رمادية، لا رؤية فيها، ولا استقرار، ولا قيادة تمسك الخيط من أوله وتأتيك التوجيهات متأخرة، والمتغيرات فجائية، والقرارات بلا سياق.
ثم يُسأل: لماذا لم ننجز كما يجب؟
وكأن المشكلة في التنفيذ، لا في التخبط الذي سبق الفعل.
هنا يصبح الجهد بلا قيمة، لأن كل خطوة تمضيها، تجد من يعيدك للوراء؛
ليس لأنك أخطأت، بل لأن أحدهم قرر أن يُغيّر الاتجاه، مجددًا، وبدون تفسير ومع الوقت، يُصبح التعب عادة، والانشغال فضيلة، والحركة وهمًا يُغطي على غياب الحقيقة:
لا أحد يعرف إلى أين نمضي… لكننا نُطالب بالاستمرار.
وفي لحظة صدق مع الذات، تكتشف أن ما يُنهكك ليس كثرة ما تفعل، بل قلّة ما يتحقق.
وأن ما تحتاجه ليس حافزًا جديدًا، بل قيادة تعرف إلى أين تأخذك، ولماذا، لأنك في نهاية اليوم:
لا تريد أن تنام مرهقًا… وتستيقظ بلا معنى، تريد أن ترى أثر ما بذلته، في طريق واضح، لا يُعاد رسمه كل صباح.