مدير عام الاجتماعات

في كل شركة ناشئة، هناك منصب غير مُعلن، غير مُوثّق في الهيكل التنظيمي، ولا يُكتب في البريد الإلكتروني الرسمي، لكنه حيّ ينبض بكل حيوية: مدير عام الاجتماعات.

يتميّز هذا الدور -غير الرسمي- بقدرة استثنائية على خلق مساحة دائمة من الانشغال، دون أن يكون لذلك الانشغال أي أثر ملموس على أرض الواقع. فصاحب هذا الدور غالبًا لا ينفذ، لا يبتّ، لا ينجز، لكنه يملك قدرة خارقة على دعوة الجميع للاجتماع.

مدير عام الاجتماعات ليس بالضرورة الشخص الأعلى رتبة، لكنه الأكثر إيمانًا بأن الحوار وحده يكفي لتسيير الأمور. لذلك، يحرص على فتح مواضيع جديدة كل أسبوع، وأحيانا كل يوم، بل حتى قبل أن تُغلق المواضيع السابقة. ويملك قاموسًا خاصًا، من أبرز مفرداته:

  • «خلونا ناخذ هذا بشكل أوسع»
  • «نحتاج alignment قبل ما نتحرك»
  • «نوقف هنا ونكمل investigations»

ويتميّز بمهارة فائقة في تحويل الأسئلة المباشرة إلى حلقات نقاش، والقرارات العاجلة إلى حالات تستحق المزيد من «النقاش العميق»، وغالبًا، إلى جلسات لاحقة.

الاجتماعات كاستراتيجية

لا ينظر مدير عام الاجتماعات إلى الاجتماعات كمجرد أداة. بل هي عنده إستراتيجية شاملة لإبقاء الفريق مشغولًا. فكلما ضاق الوقت، زاد عدد الاجتماعات. وكلما زاد الضغط، كانت الاستجابة هي يلا Meet.

الغريب أن هذا الدور لا يواجه نقدًا مباشرًا. فعندما تُسأل عن سبب التأخير، ستجد في التقويم تبريرًا حاضرًا: عشرات الدعوات المجدولة، وكلها تبدو «ضرورية».

لا قرار يُتخذ… ولا موضوع يُغلق

المشكلة ليست في عقد الاجتماعات، بل في غياب المخرجات. فبعد كل جلسة، تخرج الفرق بحاجة إلى اجتماع آخر لتفسير ما تم الحديث عنه. القرارات لا تُتخذ، المسؤوليات لا تُحسم، وكل ما ينتج هو توزيع عام للمهام بعنوان: «أنت lead على هذا الجانب، ونراجع سوا الأسبوع الجاي».

من المسؤول؟

هنا تكمن المفارقة. مدير عام الاجتماعات غالبًا ما ينكر مسؤوليته عن أي تأخير، فهو «يُسهل»، «يُنظم»، «يجمّع الآراء»، لكنه لا يُقرّر. وعند أول أزمة، ستسمع منه العبارة الشهيرة:
أنا فقط نسّقت النقاش… القرار مش عندي.

ختامًا…

ربما حان الوقت لإعادة التفكير في آليات العمل داخل بعض الشركات، والتمييز بين الانشغال والإنجاز. فمدير عام الاجتماعات، رغم نواياه الحسنة، قد يكون أحد أبرز أسباب الجمود في بيئة يُفترض أنها مرنة، سريعة، وقائمة على التجربة والقرار.

وفي حال لم تتعرف على هذا «المدير» في شركتك… فقد تكون أنت.


اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *