كن قائدًا… لا تلعب دور الضحية

في الشركات التي تمر بأوقات عصيبة، غالبًا ما تتوجه الأنظار إلى القيادة بحثًا عن إشارات للثبات أو ملامح للانهيار. الأزمات ليست فقط اختبارًا للقرارات، بل اختبارًا للغة التي يستخدمها القائد، ولطريقة حضوره أمام الفريق. ففي لحظة واحدة، قد يتحول القائد من بوصلة إلى عبء، حين يتبنى لا شعوريًا دور الضحية بدلاً من موقعه الطبيعي كصاحب مسؤولية ومصدر اتزان.

لغة الضحية، حين تخرج من فم القائد، تُحدث أثرًا مضاعفًا. ليست مجرد كلمات، بل حالة تنتقل بسرعة إلى الفريق: نبرة منكسرة، مشاعر مُحبطة، إحساس بالشلل، وعبارات من قبيل «الوضع خارج عن سيطرتنا» أو «أنا أيضًا لا أملك إجابة»؛ كلها لا تعكس تواضعًا، بل تفتح الباب لعدوى نفسية جماعية من اللامبالاة أو الذعر.

الفرق بين القائد الحقيقي ومن يلعب دور الضحية لا يكمن في امتلاك الحلول، بل في امتلاك زمام النفس في لحظة الانكماش. فالقائد ليس مطالبًا بأن يدّعي القوة، بل أن يظهر القدرة على استيعاب المشهد، وتحويله إلى دعوة للعمل لا إلى مساحة للبكاء.

في الأزمات المالية على وجه الخصوص، تتجلى هذه المفارقة بوضوح. حين تبدأ الشركات بمراجعة النفقات والتخفيضات، يظهر بعض القادة وهم يشاركون الفريق الشعور بالضعف. قد تكون النية نزيهة، وربما يكون القلق حقيقيًا، لكن ترجمة ذلك على شكل خطاب انفعالي أو سردية تشاؤمية لا تخدم الفريق، ولا الشركة.

ومع ذلك، الشفافية تبقى ركيزة لا يمكن تجاهلها. الشفافية هنا لا تعني البوح بكل المشاعر أو التفاصيل، بل تعني الصدق المتزن: أن تقول الحقيقة دون تهويل، وأن تشارك الفريق بتطورات الوضع دون إثقاله بمخاوفك الشخصية. الصراحة الناضجة تمنح الفريق شعورًا بالاحترام، وتبني جسرًا من الثقة في لحظة التشكيك.

لكن الشفافية وحدها لا تكفي. في مواجهة الأزمات، يحتاج الفريق إلى خطة واضحة، حتى وإن لم تكن مثالية. وجود خارطة طريق، أو حتى مسار مؤقت بخطوات محددة، هو ما يمنح الموظفين الإحساس بالاتجاه. الغموض يضاعف القلق، بينما وجود خطة — ولو مرنة — يخفف من حدة المجهول، ويحول الطاقات من الانتظار السلبي إلى التحرك الفعّال.

إلى جانب الشفافية والخطة، هناك عنصر لا يقل أهمية: التركيز. ففي الوقت الذي تتكاثر فيه الاحتمالات، وتتعدد مصادر الضغط، يصبح القائد مسؤولاً عن عزل الضوضاء، وتركيز الفريق على الأولويات. القائد المشتت يشتت من حوله، أما القائد الذي يضبط اتجاه البوصلة، فيمنح الجميع نقطة ارتكاز وسط العاصفة.

ما يريده الفريق ليس قائدًا يشكو معهم من صعوبة المرحلة، بل من يحدد ملامح الطريق. ليس مطلوبًا من القائد أن يخفي الحقيقة، بل أن يُحسن قولها. أن ينقل التحدي لا الفزع. أن يتحدث عن الألم بصوت الوعي لا بصوت الانكسار.

والقيادة لا تعني معرفة كل شيء، لكنها تعني قول ما هو ضروري بطريقة تُبقي الفريق واقفًا على قدميه. إنها فن إدارة الوعي الجماعي، لا بثّ المشاعر الفردية. وهي، قبل كل شيء، مسؤولية لا تحتمل لعب الأدوار.

لا أحد يتبع الضحية. الفريق يتبع من يعرف كيف يحوّل الخوف إلى وضوح، والارتباك إلى خطة. القائد لا يُقاس بحجم الأزمة التي يواجهها، بل بالمسافة التي يخلقها بينه وبين رواية الانهيار. والقيادة في لحظات الأزمة لا تحتاج إلى من يقول «أنا مثلكم»، بل إلى من يقول «أنا معكم، وهذا هو الطريق»

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *