مُفردةُ الحُبّ !

لستُ أعلم ما المقصُود بـ هذا المدعو ” الحبّ ” ..
هل هُو علاقةٌ مُحرمة كما يعتقدها بعضُ ذوِي اللحى المزوّرة ..؟
أم هُو علاقةٌ تتعرى فِيها كُلّ المبادِئ والأجساد كما يعتقد بعضُ الذئاب المسعُورة والكلابِ الساقطة ..؟
علمِي بـ مغزاها فِي قلُوبِ البشر أجهله .. لذلك سأسكبُ معناها -الذي أراه- وأملؤه فِي حرُوفٍ لعلها تُفهم .
” الحُبّ ” حرفانٌ فقط ؛ اختلفَ فِي فهمها كثيرٌ من البَشَر .. ما أعظمُه حيّر الفلاسفة والأدباء ، الشيُوخ والحكّام .. وهو ” حرفان ” فقط
” الحب ” – كما أراه – علاقةٌ يشتركُ فِيها طرفانِ فِي أمرٍ ما ، لـ فترةٍ زمنيّة ،
إما قصِيرةُ المدَى مليئةٍ بالهَوى كما لدى الكلابِ الساقطة ، أو للأبديّة كما يتجسّدُ بينَ ذوِي العقُول .
” الحب ” علاقةٌ تشاركيّة ، لوّنها البعضُ وأسدلَ عليها ستاراً لا يرى من خلفه إلا قليل .. ووصفها بأنها علاقةٌ بينَ ” الذكرِ والأنثى فِي أمرٍ سَوءْ ” فقط ! ،.. ويا خيبتاه !
فـ يحدثُ كثيراً أن تذكرَ هذه الكلمة فِي مجلسٍ أو محاضرة أو مأدبة أو حتى مقالٍ أو خاطرة ؛ فـ يتبادرُ إلى ذهنِ المُتلقّي أنها علاقةٌ بينَ الجنسين ، فِي حين أن ما ترمِي إليه أمرٌ آخر!
” الحب ” .. ساحةٌ فِي مدينةِ النفس ، تتجمّعُ فِيها مشاعرٌ ثائرة ، تزدحمُ مُتظاهرةً حاملةً لافتات مكتُوبٌ عليها اسمُ المحبُوب – ولا يشترطُ أن يكُونَ من الجنسِ الآخر أو فِي إطارٍ غيرِ لائق!! – .
” الحبّ ” .. أن ترسمَ ابتسامةً على وجهِ غريبٍ باكٍ ، وأن تُؤثرَ مَالكَ لـ مسكِين ، وأن تلعبَ مَعَ يتِيم .
” الحبّ ” .. رحمةٌ خُلِقَت للعالمِين ، رحمةٌ تتدفّقُ من قلبٍ إلى آخر .
” الحبّ ” .. احتواءٌ لـ سيُولٍ عارمةٍ من اليأسِ والحُزن والبُكاء والألم .
” الحبّ ” .. أملٌ ينتقلُ من جدٍ إلى أب ، ومن أبٍ إلى ابن ، ومن ابنٍ إلى حفيد .. إلى اللانهاية .
” الحبّ ” .. مسحةٌ لدمُوعِ فتاةٍ بـ مندِيلٍ من يدِ أمّها ، تتلُوها ضمةٌ إلى الصدر .
” الحُب ” .. احتضانُ أطفالَ ورُؤيةُ عائلةٍ وأصدقاء .
ليسَ كُلّ الحبّ مُحرم ، أو يدلُّ على مالا تسمُ به الأخلاق أو جريٍ خلفَ الشهوات .
” الحُبّ ” .. لا ينتهِي هُنا ..
للحبِّ تبعاتٌ كثيرة على النفس ، كـ ” الشوقِ ” و ” الحنِين ” و” مضيّ الوقتِ سريعاً مع المحبُوب ” و ” الاحتضان ” ..
فـ ” الشوق ” هُو اللوعةُ إلى اللقيا .. ولذّةُ الحُبّ وسكّرهُ المُر .. يغمرُ الفؤاد بـ مشاعر تجعلُ من المحبُوبِ رمزاً وفخراً ، وتُشعرُ المَحبُوبَ بـ قيمته في الحياة .
وأما ” الحنين ” .. وما أدراكَ ما الحنِين !
هُو كـ نسيمِ الفجر ، باردٌ لطِيف يُلامسُ جوانبُ الذكريات ، بـ قصدِ إفراحِ القلب ..
لكنّه يُحزنُ القلبَ ويسردُ له ذكرياتٍ ذهبت ولن تعُود ، يودُّ القلبُ نسيانها ..
لكنّ الحنِين – ومن غير قصد – يُرجعه إلى نقطةِ البداية ، فـ يجعلُ القلبَ ذا الدمِ الثائر المكبُوتِ ينتفض !
فـ تسِيلُ منه دماءٌ تجعلُ العينَ تُسِكبُ دمُوعاً ذاتَ مذاقٍ مُختلف ، دمُوعٌ مُزجت بالحُب وانتظار اللقاء الذِي رحلَ مع رحِيل المحبُوب .
فـ أما ” مضيّ الوقتِ سريعاً ” ..
هذا طاعُونُ الحبّ ..
يجعلُ الفؤادَ يتمنى المكُوثَ حياةً كاملة مع محبوبه ، لكنّه يخافُ من مُضِي حياتُه التِي قد تسمرُ عقوداً مضياً سريعاً .
هذا مرضٌ يًصابُ به أصحابُ القلُوبِ المُثقلة بـ الحبّ الصادِق .. يعبثُ فِي خلاياهُم العصبيّة .. يُرسلُ إشاراتٍ إلى القلب .. فتزيدُ وتيرةُ نبضه !
ولا ينتبه .. إلا وإذا بوقتُ الفِراق قد حان .
و أما الأخير ،
” الاحتضان ” .. الحُبّ مُشاركة .. والاحتضانُ مُشاركةٌ ( مُعتدلة ) بالجسد ومُطلقة بـ المَشَاعِر .
يُطلقُ هواءً عليلاً يُحيي كوكبَ المُحبّان ، يجعلُ أشجاره الميتةَ تُثمر وعيُونه الجافّة تتدفقُّ بالماءِ العذبْ بعدَ طُول الجفَاف ..
ويبعثُ الطيُور من أعشاشها – حيثُ ماتت – مُغنيةً بأهازِيجِ اللقاء المُنتظر !
آهٍ .. ما أجملَ الحُبّ وتبعَاته ، يُفضِي إلى النفُوسِ البهجة والأمل حيثُ يتجسّدُ العطاء بلا مُقابل .
الحُبّ مشاعرٌ وُجدت مع ولادة الكَونْ .. فحتى فِي الحيوانات يُرى فِي ” الأمُّ مع صغارها ” وحسبُكَ هذا .
وما أصفى الحُبّ .. فـ كفى المُتاحبّينَ في الله أنهمّ يتظللُونَ سويةً تحتَ عرشِ الرحمن يومَ لا ظلّ إلا ظلّه .
ربّنا ارزقنا أصدقَ الحُبّ وأعذبه وأصفاه ، وارزقنا حُبّك وحُبّ مَن يُحبّك .
– بعضٌ من فلسفةِ الرُوح !