الثالثة فجرًا

في الثالثة فجرًا، لا شيء يبدو في مكانه، كلُّ الأصوات تنام… إلا صوتك الداخلي.
تجلس هناك، في ركن الغرفة، والظلال تلتفّ حولك كأفكار ثقيلة. تشعر وكأن الليل يفتح لك دفاترًا قديمة، تمتلئ بوجوه لم تعد، ورسائل لم تُرسَل، وأحاديث ماتت في الحلق.
في هذه الساعة، يغدو الصمت صاخبًا، والوحدة ليست عزلة بل مرآة…
ترى فيها كلّ ما هربت منه نهارًا: خيبة حب، قلق مؤجل، غياب لا يهدأ، وتفاصيل صغيرة تكبر فجأة كأنها وُجدت لتُرهقك الآن تحديدًا.
تتحول الأغاني إلى سكاكين، والذكريات إلى حجارة تتساقط على صدرك.
حتى صوت فيروز، الذي كان يُهدئك، يبدو الآن وكأنه يواسيك من عالم بعيد، دون أن يقدر على الوصول.
الساعة الثالثة فجرًا ليست وقتًا… إنها شعور.
شعور أنّك تُحارب وحدك، في معركة لا أحد يراها، ولا أحد سينتصر فيها.
فقط تنهض في النهاية، وتُطفئ النور، وتهمس لنفسك: “غدًا… ربما أغفو قبل الثالثة.”