نسيمٌ نافٍ

نسيمُ البحرِ أودعنِي إلى جزءٍ قد مات منيّ ..
إلى لوعٍ ، إلى شوقٍ ، إلى سرايا الروحِ لا الجسدِ ..
بينَ المنطقِ والجمالِ حذفتُ ؛ ولستُ أدرِي أينَ المفرُّ وأينَ أملُ التجلي !
حذفتُ مع الأمواجِ مرتطمًا بجزيرةٍ نائيةٍ بينَ الشرقِ والغربِ ..
أجحفتُ فِي حقّ نفسِي ، وبللتهُا بماءٍ ملح أجاجٍ قتلَ ما بينَ ماضِيها وبثّ الرُوح في العقلِ ،
متيمٌ كنتُ بأسرارِ الجمال ساقطٍ مكنبٌ أدرسُ الآفاق ..
لعبتُ ولهوتُ حتى اكتضيتُ بأسرارٍ حتى غدوت .. لا حول لي ولا قوةٌ فِي سبر الأعماق ..

هَزٌلْتُ .. ومضيتُ أعدُو .. على شاطئٍ ليسَ للهَزْلَانِ فيه مكانْ ..
طُرحتُ الجسدَ على الأرضِ مُنكبًا .. وموجُ اليأسِ يضربُ الأركانْ .. فتسللت رُوحِي .. وخرجتْ من ذلك الجسدِ الضيّق الأمّارِ بالسُوءِ والآثام ..
دمعتُ ونظرتُ نظرةَ الحسرانْ .. على ما فرّطتُ وما تركت ..
فـ لعنتُ الماء ، ودعوتُ على الموجِ بالفناء .. وخلت أن نهايتِي قد آتت أكلها وقد حانَ موعدُ العدمِ من هذا الفضاء ..

وبينَ سكراتِ المنية دقّ بابِي .. ضوءٌ ونورٌ .. ففتحتُ لهما .. فدبّ فِي جوفِ رُوحِي حلٌ لأسرارِ كنت رميتُ بها إلى دارِ اللامبالاة!
الآن وبعدَ أن قاربتُ على الوفاة ، دبّت بداخلي حياة!
تسللت من نسيمِ البحر إلى شاطئ الرملِ إلى فؤادِ الضياع!
وبثّت شعاعًا يدمّر أصقاعَ التيهِ والظلام!

آلآن وبعدَ أن ذُقتُ المعاناة ..
ضممت الماء ، ودعوتُ الله بأن يبارك بأمواجٍ كنت دعوتُ عليها بالفنَاء ..
وأخذتُ أرفعُ منكبَ جسدِي وساقهُ -بعدَ أن رميتُها على شاطئ العدمِ والنسيان – قانصًا هدفَ البقاء .. والفضلِ والعطاء ..

آلآن قد أيقنتُ ، قد أمنتُ ، أن الحياة لا تصفُ لمن لا قلب له ولا عقلٌ على السواء ..
القلبُ والعقل كما اليابسة والماء ، أحدهما الحياة والآخر اكتشاف ما بعد الحياة!

هنا فاض القلب وغاص إلى جوف الماء ، وانعكس ضوء العلم على سطح الماء .. وارتسمتْ بينْ جنباته لوحةٌ يعترفُ بها العالمُ والفنّان ..

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *