روما ولعنة العسكر ( الجزء الأول )

كنت قد أنهيت دراستي الثانوية قبل شهور وها أنا الأن أعمل في المناوية الرابعة في ساعتي الأخيرة من ليل الواحد والعشرين من كانون الثاني .. وكما يُفترض أن أعمل في قسم الأرشيف لتحضير الشاي والقهوة للجالسين في المَكتبة ، للتعريف عن نفسي أناً يتيم ، والدي توفى أثناء عملية زرع منظم ضربات القلب وأمي تعمل كعازفة هّاوية في إحدى الجزر الساحلية وترفض الإعتراف بي وأخي ( مارثيو ) أُستخدم كَدرع بشري وَقٌتل في أحد أكبر عمليات تبادل المخدرات في وسط روما

أنهيت العَمل وكُنت أنوي إصطحاب رفيق للتسكع في شوارع روما الأرجح أنها كوريسو ، كُنت أيضاً قد إدخرت مبلغاً يساوي سبعة وعشرين ليرة إيطالية ، تلك الليلة أنتظرها من كل أسبوع لإحتساء الكابتشينوا برفقة صديقي ( أكّوسطو ) والتغزلّ العفيف بفتيات الثامنة عَشر الحسناوات ، في تمام الثانية عشر ليلاً ركبت الحافلة برفقة الصديق قاصدين كوريسو

وصلناً بعد أن قتلنا الحماس وكَبلنا الشغف ، وصلنا الشارع المنشود وتوجهنا حالاً إلى أحد المقاهي ذات الإطلالة المفتوحة على المعبر المائي المُطل على بٌحيرة ( ماجيوري ) لإحتساء الكابتشينوا كما تجري العادة بدون سكر وبقطعة كعك يا نادل .. جلسناً نحن الإثنان ومعناً ضوء القمر وصوت زئير روما على مسامِعنا .. وبينما نحن نتبادل أطراف الحديث وإذ بدورية عسكر تجوب المعبر تتجه صوبنا .. أتحدث بصوت خافت لـ أكوسطو هامزاً ولامزاً إياه بأن لا يخاف .. لكنيّ تأخرت فهو الأن يرتعد خوفاً .. العسكر وصل إليناً قائلاً : طابت ليلتكم ، أوراق هوياتِكم إذا سمحتم يارفاق ؟ .. أعَطيته مامعي من أوراق تثبت إنتمائي وفصلي ونسبي .. لكني غفلت عن أكوسطو الذي هو بالأصل إبن شوارع روما ، ترعرع في أزقّتها مابين جنوبها إلى جنوبها الشرقي ..

العسكر لـ أكوسطو : أين أوراقك ياسيدي ؟ أكوسطو لا يتحدث ! أكوسطو يركض بإتجاه الحي الشمالي وتركنيّ والشرطي بمفردناً وعلامات التعجب والحيرة على وجهي ، هذا مالم يكن على وجه الشرطي إنما جهاز الإرسال الصوتي .. يتحدث قائلاً : إلى القطاع الخامس من وحِدة التفتيش الأمنية بإتجاه الحي الشمالي مراهق يبلغ التاسعة عشر يهرب من تفتيش إحترازي .. حّول

دقات قلبي مُضاعفة ، العسكر يطلب الدعم ولأول مرة في حياتي أتذوق الأدرينالين بهذا الإفراط ، العسكر بقيّ واقفاً بجانبي وماهي دقائق إلاً ويتحدث أحدهم عبر جهاز الإرسال قائلاً : إلى الحامل الثاني عشر .. تم إلقاء القبض على المشتبه .. العسكر ينظر إلي قائلاً : ستسير بجانبي مُترجلاً وإياك والفِرار ، إلى القسم العسكر في تمام الواحدة والعشر دقائق كنت في قسم التحقيق الإبتدائي في أرقى شوارع روما ، حيث خارج تِلك البنيان توجد البحيرة والمقهى وكأس الكابتشينو خاصتي !

وهاّ أنا بإنتظار الدخول للمحقق .. ولست أعلم بأي شئ حول صديقي أكوسطو ، كنت تّارةً أتخيلهْ خلف القُبضان وتّارة أتذكر تفاصيل ذاك الرجل الذي أرداه أكوسطو أرضاً ليلقىّ مصرعه لقاء حِفنة من الكوكايين قبل عِدة أيام وفي لحظات أتذكر هوسّ وجنون أكوسطو في كتابة ذكرياته على المحّلات الراقية أو حتى نشل حقائب سيدات المجتمع من شوارع روماً ! كل تلكِ الأمور خطرت ببالي ومعها كان قلبي يبكي وأنا كالأم أطبطب عليه بأن لا تبكيّ الرب مَعنا ، دقائق ويناديّ أحدهم بإسمي ومن ثم يصطحِبني لغرفة التحقيق .. كنت أسير وأتحدث بتلعثم قائلاً : أين أكوسطو ؟ هل مازال حياً .. دخلت غرفة التحقيق

دخلت غرفة التحقيق وكماً كنت أتوقع أمامي .. أربعة من أكابر المحققين وحارس بلغ مابلغ من القوة .. لَمحّت صورتي على الطاولة وصورة أكوسطو ، تعبت من الطبطبة على قلبي فَبكيتّ !
يَاله من موقف مُهيب .. سألني المحقق الأول قائلاً : أين كنت في تمام العاشرة ؟ قلت لـِنفسي هانحن الأن نبدأ ! تِلك الأسئلة شاهدتهاً مراراً في دور السينما لكنِ لم أتوقع أن أتعرض لها .. لا أخفيكم أنها أسئلة مسمومة .. يضربني أحدهم ليقولّ لي تحدث ياهذاً .. لسنا عازمين على اللهو وإياك

في تمام العَاشرة كنت في مكتبة جامعة روما سابينزا ! السؤال التالي : هل لكَ علاقة بخلياتّ التزوير ؟ أجبته لا ياسيدي .. يضربني أحدهمُ قائلاً : أوضح مقصدك ياصغير .. قلت : علاقتي معهم لا وجود لها .. حياتي كلها في المكتبة هناك أعمل طوال يومي .. السؤال التالي : ماعلاقتك بـ أكوسطو ؟ لا أخفيكم أني شعرت بالخوف ، ولطالما كان أركوسطو يخفي عني الكثير والكثير ! أجبته : صديقي منذ الطفولة ياسيدي ،تحدث المحقق : شُكراً لك .. إنتهت الأسئلة .. يحق لك أيها العسكر تفتيش السيدّ تمهيداً لإدخاله السجن .. بكيت مجدداً كيف لاً وأنا المهووسّ بقصص السجون ومايحدث بها
تقدم أحدهم وبدأ بتفتيشي .. ثواني حتى أخرج يده حاملاً نقودي .. يغمز المحقق لـ العسكر بأن ينصرف ولم ترقّ لي تِلك الهمزة الخبيثة ، دقائق حتى عـاد ليعطيني صفعة على وجهي ويتحدث قائلاً : مزورة .. نعم ياسيدي مزورة .. 21 ليرة إيطالية مزورة بإحترافية !

الجزء الثاني في قادم الأيام .. شُكراً للقراءة

ملاحظات:
* أتعمد عدم الإفصاح عن إسم الراوي حفاظاً على غموض الأحداث
* جميع أسماء المناطق والأسماء المستعارة هي أسماء حقيقية المصدر
* القصة من وحي الخيال ، لا تمد للواقع بأي صِلة

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *