نَافِذَةٌ عَمياء

الأرضُ هَذا المَسَاء تَبدُو ضَيقَة …
أضيَق بِكَثيرٍ مِمّا كَانت عَليه
شَجرَة الصَنوبِر العِملاقَة تَفقد أوراقَها كُلّ صَباح
هِي أَيضًا تَحتَضر
أطَفالُ الحَيّ تَوّقَفوا عَن تَمريغِ أحلامِهم بالوَحل
تَوّقفوا عَن الضحِك …وُربّمَا عَن الحُلم أيضًا
ذَاك الشَيخ تَوقف عَن قِراءَة الجَرائد تَحت شَجرة التوت
رُبّمَا تَيَقَنَّ أنّه سَيغدُو أسعَد إن لَاعَب حَفيدَته الجَميلَة
بَدَلًا مِن البَحث عَن خَبر جيّد بين تِلك الأسطُر السَوداء المَيتَة
أولائِكَ الفِتية سَئِمُوا أحَادِيثَ الرٍيَاضَة وَ مُغَازَلة الجَميلَات
ذَاك القَاربُ الصَغِير الذّي رمَى بأَحلَامِهم إلى أزقة أورُوبَا و كَنَائِسهَا أصبَح أكثَر إغرَاء مِن أبة عَاهرة
الوَسيم الذّي تَعوّد العَبث بِأوتَار قيتَاره عَلى الرَصيف كلّ مَساء
أَيضًا عَزَف عَن صِيَاغَة أَلحَانه الحَزينَة
رُبّمَا عَزَفت الحيَاة ألحَانهَا بِه ليَبيع آلتَه وَيَقتَني عُلَب سَجَائر يَبيعُهَا عَلى نَفس الرَصيف
مَدينَتي تَضُجّ بالمُتسَوّلين …
عَاطل يتسوّل وَظيفَة
شَيخ يتسوّل رَغيف خُبز
أمّ تَتسوّل خَبرا عَن ابنهَا الذِي ذَهب و لَم يَعد
صَغير يَتسوّل نَظرة دَافئَة كالتّي تَنبعُ مِن عَينَي أمّه المَيّتَة
الكلّ فِي مَدينَتي احتَرف التَسوّل
احتَرفُوا تَسّول الأمَل …
لَازلت عِند نَافِذَتِي الصَغيرَة أرقبُ اللاشَيء وَأنتظِر نَجمة لَن تَعُود مِن بَين الضَباب
رُبّمَا هذه المَدينَة تَرفض خَلع الرّدَاء الأسَود عَن جَسدِهَا
ورُبّمَا نَافِذَتي مَن أصبَحت عَميَاء…!