هذراتٌ وكلماتْ من هُنا وهناك
أهمية التفكير بالمنتج والنظرة الشمولية
قرأت ذات مرة إقتباس في مقالة قد شاركني إياها صديقي عبالرحمن سليمان تتحدث حول عمل الأنظمة والمنتجات وتقول:
A system is never the sum of its parts, it’s the product of their interaction
Russell Ackoff
ففي عالم إدارة المنتجات الرقمية، يكتسب مفهوم “النظرة الشمولية” أو “فهم الصورة الكاملة” أهمية متزايدة. فكلما تقدمنا في مجال العمل، فأصبح من الواضح أن إدارة أي منتج يعتمد على الترابط بين عناصره المختلفة. لم يعد الأمر مقتصرًا على معالجة مشكلة في جزء معين من المنتج وحلها بشكل منفصل، بل أصبح التحدي يكمن في فهم التفاعلات الخفية بين الأجزاء المختلفة التي قد لا تكون واضحة للوهلة الأولى.
من التحدي إلى الحل
مثال حي، مرة واجهتنا مشكلة انخفاض عدد المسجلين في المنتج. في البداية، كان من السهل التفكير بأن السبب يكمن في ضعف جهود التسويق. لكن وبعد ذلك أتضح لنا «مع التقاطع في موضوع والاستعانة بتجارب مستخدمي المنتج ورأي العملاء» إن المشكلة كانت في تعقيدات المنتج نفسه، ناهيك عن ضعف التدريب لفريق الدعم الفني الذي يعوقهم عن التعامل بشكل فعال مع شكاوى العملاء. كان هذا هو المكان الذي تمكنّنا منه رؤية كيف يمكن أن ينعكس خلل جزء واحد من المنتج سلباً على الأجزاء الأخرى.
النظرة الشمولية وأهميتها في اتخاذ القرارات
النظرة الشمولية هي أكثر من مجرد أداة لفهم العلاقات بين مكونات المنتج، بل إنها طريقة للتفكير تدفعنا للبحث عن الأسباب الجذرية للمشاكل بدلاً من الاكتفاء بالحلول السطحية أو التعديلات السريعة «الترقيعات». كثيرًا ما نلجأ إلى حل المشكلات بشكل مبدئي دون النظر في تأثيرات هذه الحلول على المدى الطويل، أو كيف يمكن أن تتداخل مع أجزاء أخرى من المنتج. فعلى سبيل المثال، قد يبدو تغيير عنصر واحد في المنتج أو الخدمة كحل فوري لمشكلة معينة، لكن هذا التغيير قد يؤدي إلى تأثيرات غير متوقعة في سلوك المستخدمين أو الأداء العام للمنتج. من هنا تأتي أهمية النظرة الشمولية، فهي تتيح لنا الاستعداد لتلك التأثيرات الجانبية وتقليل المخاطر التي قد تنشأ عن اتخاذ قرارات غير مدروسة.
عندما نتبنى هذا النوع من التفكير، فإننا لا نركز فقط على النتائج الفورية، بل نأخذ في اعتبارنا كيف سيؤثر القرار الذي نتخذه في المستقبل. وهذا يتطلب منا تفكيرًا أعمق حول التفاعلات المتعددة بين الأجزاء المختلفة للمنتج التي قد تبدو غير مرتبطة في البداية. لكن بالتحليل الشمولي، نتمكن من تقدير هذه الروابط والتعامل معها بشكل أكثر وعيًا، مما يساهم في اتخاذ قرارات أكثر استدامة وفعالية.
كذلك أحد الجوانب التي أجدها مثيرة في هذا النهج هو إمكانية تطبيقه في جوانب حياتنا الشخصية. فكثيرًا ما نجد أنفسنا نواجه قرارات صغيرة في حياتنا اليومية، مثل تغيير عاداتنا الغذائية أو تعديل روتيننا اليومي، دون أن ندرك أن هذه القرارات قد يكون لها تأثيرات متتالية في سلوكياتنا الأخرى. في البداية، قد نعتقد أن التغيير في عنصر واحد لن يؤثر كثيرًا، ولكن بمرور الوقت نجد أن هذا التغيير يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
هنا تأتي أهمية حلقات التغذية الراجعة (Feedback Loops):
يمكن تعريف حلقات التغذية الراجعة على أنها آلية أو عملية يتفاعل فيها مخرج (Output) منتجِ ما مع مدخلاته (Input) بطريقة تؤثر على سلوك المنتج أو توجهه. وبعبارة أخرى، فإن ما ينتج عن المنتج يصبح جزءًا من العوامل التي تتحكم فيه أو توجهه.
في الحياة اليومية، نلاحظ حلقات التغذية الراجعة عندما نحاول تحسين مهارة معينة؛ فنتلقى بعد كل محاولة (المُخرج) ملاحظات ومؤشرات تساعدنا على تعديل المحاولة اللاحقة (مدخلات جديدة)، وهذا بدوره يحسّن أداءنا بشكل مستمر. وكلما ازدادت وعينا بهذه الآلية، ازدادت قدرتنا على استثمارها لضبط تصرفاتنا واتخاذ قرارات تساهم في نموّنا الذاتي وتقدمنا بشكل فعّال.
إستخدام نقاط القوّة
واحدة من أروع جوانب هذا النهج هي التركيز على “نقاط القوة”، وهي تلك العوامل أو الأجزاء من المنتج التي يمكن استثمارها لتحقيق تأثير أكبر في وقت أقل. النظرة الشمولية لا تقتصر فقط على اكتشاف الروابط بين الأجزاء المختلفة، بل تشجعنا أيضًا على تحديد العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة إذا تم استغلالها بشكل فعال. في عالم إدارة المنتجات، على سبيل المثال، يمكن أن تكون هذه النقاط هي خصائص معينة في المنتج أو استراتيجيات تسويقية موجهة يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على المستخدمين. فهم هذه النقاط واستخدامها بشكل مدروس يمكن أن يعزز فرص النجاح ويقلل من الفجوات التي قد توجد بين الأجزاء المختلفة في المنتج.
الختام
في الختام، أصبحت النظرة الشمولية والتفكير بالنظم جزءًا أساسيًا من استراتيجياتي في إدارة المنتجات الرقمية واتخاذ القرارات اليومية في حياتي. فهذه المقاربة تمنحنا القدرة على ربط الأجزاء المختلفة مع بعضها البعض وفهم كيف يمكن أن تؤثر قراراتنا في المستقبل. ومن خلال تبني هذا النهج، نتمكن من تقليل المخاطر وتحقيق نتائج أفضل، سواء في مجال العمل أو في حياتنا الشخصية.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.