كونٌ وهوية

شمسٌ وقمرٌ .. بدرٌ وهلال .. كَوكبٌ وكُويكبْ ..
عالمٌ مُتارمِي الأطراف ، ونحنُ فِيهْ كـ حبةِ رملٍ فِي صحراء لم يقطعها الرُعاةْ ..
نَرمِي برماحٍ تخترقُ الصدُور ، وتصِيبُ القلُوب .. وننسى أننا حبّة رمل .. فِي صحراء ..
يتمَادَى الإنسان ، ويرفعُ أنفه صاغرًا فاخرًا بأنه قد بلغَ السماء .. وما علمَ أنه لم يتخطّى حتّى حبّة الرمل هذه ..
الإنسانْ , بطبيعته وبروحه التِي ذكرها الله فِي كتابهْ جلّ فِي عُلاه يمِيلُ الكِبْرِ ورفعِ الشآن ..
أتعلم يا صدِيقي ، إن هذا الإنسان .. مخلُوقٌ ضعِيف جدًا .. يظنّ أنه وصلَ لما كشفَ له سرّ الحياة .. ويُنصّبُ نفسه ملكًا على حفنةٍ من ترابْ .. ويرى نفسه أنه المنقذ لهذه البشرية..ويرمي هذا وذاك بـ السفه .. وأنه هو العاقل بين مجانين.

وما علمَ أنه هُوَ السفِيهْ بعينه ، وأن المرءْ كُلمَا زادَ علمًا ورُشدًا تجلّى ذلك فِي أقواله وأفعاله ، فيعتزلُ حدِيثَ النَاسْ الذِي لا يُوصلُ إلا للكُره والمغالاة .
ويشتغلُ بـ تلك الطبِيعة التِي خلقها الله ، ويُحاولُ كشفَ أسرارِ هذا الكونْ الذِي أظهره -من العدم- الله .. ويرفعُ شأنْ مَن حوله ويُنزِلُ من قدرِ نفسه إلى أسفهه الناس ، ليرفعه إلى فكرِ أعلى مما هُوَ عليه الآن ..

أتعلمْ يا صدِيقي ، أحيانًا .. يجبْ علينَا أن نتفكّر فِي هذا الكَون من عينِ طفل .. فالطفلْ يُولدُ جاهلًا .. يستكشفُ ما حوله .. ويتعلّم ..
إننا يا صدِيقي نسكنُ الأرض .. ونأكلُ من طيّباتها وثمارها .. لكننا لم نتساءل يومًا .. لماذا عندما نرمِي بذرةً بينَ أضلاعها يخرجُ من أحشائها شجرٌ معطاء ؟!

أحيانًا يا صدِيقي ، نحتاجْ لأن نرَى هذا العالمْ من ناحية القلبْ والإحساس ، من زاويةٍ جديدة .. نحتاجْ لأن نتساءل ونُفكّر ونتفكّر .. ونُؤمنْ تمامًا بأننا بشرٌ يُحاولون الوصول لحقيقة هذا الكَونْ .. وأن ما سنصلْ إليه لن تكُونْ هيَ الحقيقة الكاملة ..
أنا يا صدِيقي ، أؤمن تمامًا أن الصلاةْ التِي نُصلّيها في اليوم خمسَ مرّات هيَ المفتاحْ لذلك البَابْ الذِي يقبع خلفه السموّ الإنسانِي والبحث عن الحقيقة .
أؤمن تمامًا يا صديقي ، أن الله جلّ وعلاه لم يخلقنا عبثًا ولا لأجل لهوٍ ولا ترف ، أؤمن تمامًا بأن الله يُرشدنَا السبِيل الرشِيدْ إذا أردنا نحنْ ذلك .
صدِيقي العزِيز ، أتريدْ أن تُدركْ كم أنت صغيرٌ فِي هذا الكَونْ ؟ اصعد يومًا إلى مكانٍ شامخٍ .. وانظرْ للأسفل .. ” أحيانًا يجب عليك أن تصعدَ عاليًا لتدرك كم أنت صغير جدًا ” .

وتذكّر جيدًا .. أنّ العلمَ الذِي يطغَى على صاحبه بالتواضع والخشُوعْ .. هُوَ العلمْ السويّ .. هُوَ العلم الذِي يقُودك إلى ” الله ” .

هيّا انطلق الآن يا صدِيقي .. وابحثْ عن حقِيقتكْ وهويّتك فِي هذا الكَونْ الفسِيح وبينَ هؤلاء السبعة مليار إنسيّ .

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *