لمن تألم من فراق الأحبة؛ وأقول لهم تلك الإقتراحات التي ستساعدهم كثيرا في تجاوز ألمهم بقدر كبير، ولكن قبل ذلك رأيت من خلال تجربتي أن “فهم” مراحل الفقد قد ساعدني كثيرًّا وأتمنى أن يساعد الكثيرين في تحمل ألم الفراق، وتلك المراحل واحدة في كل فقد نفقده وإن اختلفت المسميات، وإن اختلف البشر في ما بينهم في مدة كل مرحلة.
المرحلة الأولى:
تبدأ منذ لحظة تنفيذ / حدوث قرار الفراق، وتكون أوضح وأشد عند الطرف الذي لم يتخذ القرار بنفسه، وهي مرحلة “رفض” حقيقة ما حدث من فراق، البعض يسميه “إنكاراً”، والبعض يسميه “الصدمة”؛ ﻷنها مرحلة تحمل مشاعر عدم التصديق لما حدث، وأن ما حدث هو مجرد خطأ وسيتم إصلاحه، أو كذب سيتم تداركه، أو كابوس سيزول عما قريب، أو أن هناك فرصا للتراجع بكل تأكيد.. وفي هذه المرحلة يتوقف رد فعل كل شخص على تكوينه النفسي؛ فهناك من “يتجمد” داخليا فيصمت خاصة في لحظة الفراق، وهناك من يشعر بألم ليس عميقا تأجيلا لحجم الألم الحقيقي، وهناك من يندفع بمواجهة ما حدث في محاولات مستميتة لوقف ذلك الكابوس، والبعض يرفض أن يشعر؛ فيتصرف وكأن شيئا لم يكن.
ولكن سرعان ما يصلون جميعا للمرحلة الثانية:
وهي أصعب وأقوى، وأكثر المراحل خطورة على الإطلاق .. وفيها يتأكد الشخص أن ما حدث قد حدث، ويبدأ في تجرع آلام الفراق يوميًّا، ويفتقد حرفيًّا وجود محبوبه، وتبدأ تلك المرحلة بقوة؛ ثم تزداد قوتها بمرور الوقت مع الفشل المتكرر في إستعادة المفقود، وإستعادة التوازن، وتزداد شراسة على الطرف الذي لم يختر الفراق؛ كلما أحتك بأماكن أو أصدقاء أو أشخاص يتحدثون ولو بكلمات كانت تميز من فقده مثلا، أو يحملون نفس أسمه، أو الذكريات التي كانت بينه وبين من فقده .. سواء كانت أماكن أو غير ذلك… ثم تبدأ المشاعر في التنوع مع التخبط بشكل سلبي؛ فهي لم تعد ألما فقط، ولكنها إختلطت بمشاعر الغضب، ومشاعر الهجر، ومشاعر الإحساس بالذنب، ومشاعر الحزن، ومشاعر الرغبة في الانتقام أحيانا، ومشاعر الرفض، ومشاعر الغل، ومشاعر التوهان، ومشاعر الإرتباك، ومشاعر الشفقة على النفس، والرغبة في الاختفاء تحت أي مسمى، وغيره من المشاعر الكثيرة المتنوعة التي إن لم يتم تداركها؛ سيصاب الشخص الذي فقد محبوبه بالاكتئاب الذي يصل لدرجة المرض والقلق والإنعزال، وإضطراب في العمليات العقلية من تركيز وتذكر وحل مشكلات.. إلخ، حتى أن بعض من كانوا يتحدثون عن مشاعرهم لا يتمكنون من التعبير عن كم الألم الكبير الذي يلفهم بداخله، وقد سميت تلك المرحلة بأسماء كثيرة منها مرحلة “الألم”.
المرحلة الثالثة:
فيها لا يزال الشخص الذي فقد في – حالة ألم وحزن – ولكن بدأ هنا يستعيد توازنه؛ ليدخل عقله في المعادلة ﻷول مرة بعد طول غياب، فيبدأ في التخلي رويدا رويدا عن التقوقع، ويبدأ في ممارسة مهامه الأساسية، والمتطلبات الضرورية بنشاط ضعيف نوعا ما، وأهم ما يميز تلك المرحلة هي أن الشخص قد بدأ بالفعل “تصديق” أن الفراق واقع، وأن ما حدث هو فعلا حدث، وسميت هذه المرحلة بأسماء كثيرة منها مرحلة القبول، أو التكيف.
المرحلة الرابعة:
هي آخر مرحلة، فيها الألم لم يعد يذكر، وتحرر الشخص من معظم مشاعره السلبية، إن لم تكن كلها، وقد تمكن من قلب صفحة هذا الفراق بوعي، وفيها ظهور حقيقي لبداية جديدة بصدق، البعض يسميها مرحلة النسيان، ولكن على أرض الواقع لا أحد ينسى علاقة حب حقيقية مر بها في حياته، ولكن هي مرحلة فيها تصالح تام، يجعل الشخص قادرا على الإقبال على الحياة بصدق من جديد.
يبقى في الحديث عن تلك المراحل أن “نعرف” أننا مختلفون؛ فمنا من يمر بكل تلك المراحل في أيام، أو أسابيع، أو شهور، أو سنوات تصل ﻷكثر من 20 عاما، وتلك المراحل قد تتداخل فيما بينها عند الشخص، فيعود من مرحلة لاحقة لمرحلة سابقة، أو يظل بينهما، أو يظل يتناقل من لاحقة لسابقة والعكس لفترة، ولأننا مختلفون فإننا – رغم مرورنا بنفس المراحل – إلا أن تفاصيلها تختلف من شخص لشخص، ويكون الاختلاف حسب تكوين الشخص النفسي، ودوائر المساندة حوله، والمناخ الذي يعيش فيه؛ فالاجتماعي؛ سيتأثر حتما كغيره، ولكنه سيجد داعمين، وسيجد من يشاركه في الغالب، وهكذا.